کد مطلب:323803 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:342

الاسلام دین الفطرة الانسانیة
«نعم ربما قال انسان: انه لو كان التوحید فطریا لما اختلف الناس فی عقائدهم و تباینوا فی تصویر آلهتهم، فذهبوا كما نعلم مذاهب شتی حتی لا تكاد تجد تشابها بین آلهتهم»، و الشیخ عبدالعزیز جاویش [1] رحمه الله، یحقق لنا أن هذا مباین لمقتضی الفطرة، اذ منشأ ذلك ان الانسان میال الی الاعتماد علی ما یقع تحت حواسه من الكائنات و الی انكار ما لیس له فی ذهنه صورة و لا حدود محصورة. فمن ذلك ما قصه الله تعالی فی شأن معاندی أهل الكتاب حیث قال جل شأنه: «یسألك أهل الكتاب ان تنزل علیهم كتابا من السماء فقد سألوا موسی اكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البینات» [2] .
و من البدیهی - كما یقول الشیخ جاویش - أن الشی ء لا یصح انكاره الا اذا ثبت بالبرهان القطعی عدم وجوده، أما مجرد عجز المدارك عن تصوره و تحدیده و الاحاطة به فمن العجب ان یتخذه ذو عقل برهانا ینفی به وجود الشی ء، و أعجب من ذلك أن تری اكثر المتحككین بأهل العلم فی هذا العصر علی هذا المذهب العجیب الذی هو آیة الجهل و نهایة الحمق.

جاء الاسلام فی وصف الحق و اثباته بما یطابق مقتضی الفطرة و العقل تمام المطابقة، أفلا تدبرت قوله تعالی: «الله لا اله الا هو الحی القیوم لا تأخذه سنة و لا نوم له ما فی السموات و ما فی الأرض من ذا الذی یشفع عنده الا بأذنه یعلم ما بین ایدیهم و ما خلفهم و لا یحیطون بشی ء من علمه الا بما شاء وسع كرسیه السموات و الأرض و لا یئوده حفظهما و هو العلی العظیم» [3] .

و یروی الشیخ جاویش: ان الصدقة قد جمعته برجل مسلم من الانجلیز، لم یرج من اسلامه شیئا من حطام الدنیا، و لا ان ینال جاها یتخذه عدة لنیل شی ء من الرغائب السیاسیة، فقال له: «ان فی القرآن آیة لا أمل من تكرارها و لا من تردید النظر فیها، جاءت فی وصف الله تعالی بما لیس فی استطاعة أحد من ائمة الادیان الأخری، علی ذكائهم وسعة اطلاعهم، ان یأتوا به»، ثم تلا بالانجلیزیة تلك الآیة الكریمة آیة الكرسی.

هذا و تتمیما لموضوع التوحید نذكر ما قدمه من كلمات [4] للورد ما كولی الكاتب الانجلیزی الشهیر اذ قال ما ترجمته: «ان علماء المنطق قد بنوا عقائدهم و قضایاهم علی البرهان العقلی، فأمكنهم ان یسلموا القول بأن من الأشیاء ما لا یمكن للعقل ان یحیط به، بخلاف السواد الأعظم من العامة فان معظم افكارهم و قضایاهم اما خیالیة او و همیة او شعریة فلا یكادون یبنون شیئا من مذاهبهم
و معتقداتهم علی نظر صحیح و فكر سلیم، و من هنا نشأت كما یظهر الأدیان الوثنیة فی كل أمة و فی كل جیل فی كل زمن، فاختلفت لذلك صورة الالهة باختلاف ما صوره خیال معتقدیها.

و لطالما اذن فینا التاریخ ببیان ما ادخل الیهود قدیما فی دینهم من البدع، متمسكین بما أملاه علیهم خیالهم الفاسد من ضرورة ان یكون لهم اله محسوس ملموس یقصدونه بالعبادة و الاجلال. و یمكن القول بأن معظم الأسباب التی ذكرها (جیبون) و جعلها أساس انتشار الدین النصرانی لم تؤثر ذلك الأثر و لم تنشر ذلك الدین فی أطراف الأرض الا لأنها كانت مشفوعة بكثیر من تلك القضایا الوهمیة التی كان لها اكبر سلطان علی نفوس الذج من العامة، فان الها لم یخلق و كائنا لا تدركه الابصار و لا تحیط به الظنون لم یقل به الا الفلاسفة العالمون، اما الأخلاط ضعاف العقول من الناس فانهم ضاقت دائرة أفكارهم و انقطعت سلسلة ادراكهم عن ان تصل الی القول بأنه لیس له صورة محدودة فی نفوسهم، فكانوا یتأففون و یهزأون و یضحكون من اولئك الفلاسفة و یرمونهم بالبله أو قصور الذهن.

طاشت النفوس فی الازمنة القدیمة، و ضلت الصراط السوی، و قست القلوب، و انتهكت الحرمات، فجاء المسیح علیه السلام و أخذ یعلم الناس و یدعوهم الی ما جاء به من الهدی فمنهم من آمن و منهم من كفر.

و لم یسلم تابعو المسیح من النصاری ان یصیبهم فی ایمانهم مثل ما أصاب الیونان و الفرس و غیرهم من قبلهم، فتمثل الا له لهم فی صورة آدمی مشی بینهم و شاركهم فی اغراضهم و ما یعتریهم من الانحلال و الاضمحلال، كما كان یبكی علی القبور و ینام فی الحظائر، ثم صلب حتی سال دمه علی أعواد الصلیب، فظهروا بذلك للعالم فی لباس جدید من الوثنیة، ثم كان لهم من القسیسین و الرهبان بعد ذلك لفیف من الآلهة علی مثال ما كان للیونان، فكان القدیس
جورج لدیهم اله الحرب كما كان المریخ عند الیونان، و كذلك اتخذوا العذراء و سیسیلیا Cicilia و غیرهما آلهة للجمال و فنون الأدب كما كانت الزهرة وسیع كواكب أخری The muses آلهات لدی الیونان.. و هلم جرا..

و لطالما اخذ المفكرون من رؤساء الدین یزیلون ما لصق بعقول العامة من تلك الصور الوهمیة. و لكنهم لم یفلحوا.

«تجد العامة فی هذا الیوم یتعشقون سماع كثیر مما لا معنی له من الخزعبلات، و یتهافتون علی تلقف سیر بعض من لا قیمة لهم فی سوق الفضائل و المكرمات، اكثر مما یمیلون الی تعرف و تفهم شی ء من قواعد الدین الاساسیة».

هذا ما قاله النورد ما كولی فی شأن الدین الذی یعتنقه و یذعن له، و فی الأمم التی شاركته فی الاخذ به و بیان احوالهم..

و الخلاصة ان السبیل التی جاء بها الشرع الاسلامی فی الایمان بالله و تقدیسه عن الحلول و مشابهة الغیر و توحیده بالعبادة دون كائن غیره هی السبیل التی یصل الیها الانسان بفطرته متی خلی و شأنه غیر مضلل ببعض الأباطیل و لا مدفوع الی غیر تلك السبیل.

بسم الله الرحمن الرحیم (قل هو الله احد - الله الصمد - لم یلد و لم یولد - و لم یكن له كفوا احد) [5] الاسلام اذن دین الفطرة.. الدین الذی صح فی القدیم و فی الحاضر و فی المستقبل - مركز الانسان فی هذا الوجود، و تعیین مكانه و دوره و وظیفته و حقوقه و واجباته..

یقول الاستاذ سید قطب رحمه الله [6] : «انه لیس الها ینازع «الآلهة»! و تنازعه. و لیس كذلك حیوانا جاءت سیادته علی الأرض مصادفة، و قد یقوم
مقامه فی هذه السیادة غدا قط أو فأر! و لیس آله تحسب قیمته بقوة «الأحصنة» التی یساویها فی قوة التحریك و الادارة و لیس عبدا للمادة، و لا هو لوحة تطبع فیها المادة اله الطبیعة ما ترید. و لیس عبدا للآلة، تصرف حیاته و أفكاره و أوضاعه كما تتصرف هی و تتقلب. و لیس «نمرة» و لا مجموعة «نمر» تتحرك داخل القطیع، بلا شخصیة ممیزة، و لا كیان «فردی خاص».


[1] المرجع نفسه، ص 16 و ما يعدها...

[2] سورة النساء، الآية 153.

[3] سورة البقرة الآية 255.

[4] See the essay on milton.

[5] سورة الاخلاص، الآيات 4 - 1.

[6] الاسلام و مشكلات الحضارة، ص 171 و ما بعدها...